تاريخ الإسلام في جنوب شرق آسيا


جنوب شرق آسيا هي الأقاليم بين شبه القارة الهندية وجنوب الصين، فوصل إليها التجار يحملون الإسلام، ومعظم مسلمي هذه الدول يعانون من الحملات التنصيرية والاضطهاد، ومعظمها عانى من الاحتلال، ففي إندونيسيا ظهرت ممالك مسلمة، منها "بنتام" في جاوة الغربية، و"آتشيه" في شمال سومطرة، فاحتلتها البرتغال وهولندا وبريطانيا واليابان، وبعدها أُعْلِنَ عن قيام حكومة إندونيسية، وهي تعاني من ضعف الإنتاج، وارتفاع نسبة الأمية والبطالة.
وأسلم "أونج" حاكم بروناي على يد السلطان محمد شاه، واتَّسع نفوذها فشملت جزر صولو والفلبين، ثم فرضت إنجلترا الحماية عليها، ودخلتها اليابان ثم انسحبت منها، واتفق سلطانها مع البريطانيين على الانسحاب على أن تبقى إدارتهم المدنية، ولم تنضم بروناي إلى الاتحاد الماليزي، الذي انتشر فيه الإسلام عن طريق أسلام ملك (مالاقا) فصارت مالاقا دولة إسلامية، فاحتلتها البرتغال ثم هولندا، وتابعوا سياستهم في قتل المسلمين، ثم احتلتها بريطانيا، وقامت ثورات في الملايو، منها ثورة الشيخ الهادي، تلميذ الشيخ محمد عبده، ثم احتلتها اليابان؛ ووقع التخريب حتى هزيمة اليابان، فقام اتحاد الملايو، وحُوِّلَتْ مسئوليات الاتحاد إلى المجلس الشعبي، وفي مؤتمر لندن تقرر استقلال اتحاد الملايو.
وأما فطاني فبدأ الإسلام يتوسَّع فيها عن طريق مالاقا، ثم احتلتها البرتغال وهولندا، وتايلند، وقام انقلاب في تايلند دعمه الفطانيون، وتغيَّر نظام الحكم إلى ملكي دستوري، وبدأ الحكم العسكري في تايلند، ثم دخلها اليابانيون، فعمل الإنجليز على تنظيم المقاومة، وبدأ كفاح الاستعمار والاضطهاد.
ودخل الإسلام الصين في أسرة "تانج"، التي عاصرت البعثة النبوية، وانتشر الإسلام فيها عن طريق الفتوحات، وظهر القائد "السيد الأجل" فأصبح حاكمًا، فازدهر الإسلام، ثم سيطرت الأسرة "المانشورية" فاضطهدت المسلمين، واحتفظ الكثير منهم بدينهم خفية، أما تركستان فدخلها الإسلام عن طريق الإيجور "ستاتوك بوجرخان"، الذي اعتنق الإسلام قبل أن يتولَّى العرش، واحتلَّها الصينيون، واتَّبعوا سياسة اضطهاد المسلمين، فقامت الثورات.
وظهرت إمارة "رجا سليمان" المسلمة في الفلبين، وبدأ ماجلان بنشر النصرانية، فتصدى له حاكم جزيرة ماكتنان، ثم احتلتها إسبانيا، باستثناء منطقة "مورو"، وأجرت اتِّفاقًا مع الولايات المتحدة لتتركها لها، فاستمرَّت الثورات، ثم احتَلَّتها اليابان، وحصلت على الاستقلال، وأصبح الحُكم فيها رئاسيًّا، وطالب النصارى بتطبيق القانون المدني على المسلمين؛ فيُمْكِن لهم أن يتزوَّجوا المسلمات، وبدأت حرب الإبادة.
أما بورما فلم تكن شواطئها محطَّات للسفن؛ فوصل إليها مسلمو الصين والهند، فنشروا الإسلام، واحتلتها إنجلترا، فتجمَّع غالبية المسلمون في أراكان، حتى أصبحت دولة مسلمة مستقلة، ثم احتلتها إنجلترا فاستقلت عنها، وتم ضمها إلى بورما، فبدأ التطهير العرقي ضدَّ المسلمين، وأصدرت السلطات قرارًا بحظر تأسيس مساجد جديدة.
أما تشامبيا ومنطقة الهند الصينية، التي تشمل: فيتنام، وكمبوديا، ولاوس، فمعظم شعوبها كانت تَدِين بمعتقدات كالبراهمية، فوصل إليها الإسلام في ساحل مملكة أنام مناسبًا لانتشار الإسلام، ويُطْلَقُ في تشامبيا اسم "هوي هوي" على المسلمين، فدخلت في صراع مع الصين وكمبوديا، وغزتها فيتنام، وكان الفيتناميون يَشُنُّون حرب إبادة ضدَّ المسلمين، فترك معظمهم البلاد إلى كمبوديا، ويُطْلَقُ عليهم "خمير إسلام"، أي الكمبوديون المسلمون، وعانت هذه المناطق من الشيوعية، فوقع المسلمون فريسة للجهل الكبير بدينهم، وغَدَت المساجد لا تُفْتَح إلا يومَ الجمعة، ويقوم الأئمة بالعبادات نيابة عن الشعب، وعمَّ الفقر حتى إنهم لا يجدون ما يُكَفِّنُون به موتاهم، ولا ما يسترهم، ويرفض المسلمون إلحاق أبنائهم بالمدارس الحكومية خوفًا على عقيدتهم.

قصة عجيبة لانتشار الإسلام في شرق آسيا جنوب شرق آسيا اسم يطلق الآن بصفة عامَّة على الأقاليم الواقعة بين شبه القارة الهندية وجنوب بلاد الصين، والمحاطة من الشرق ببحر الصين والجزء الجنوبي الغربي من المحيط الهادي، ومن الغرب المحيط الهندي وخليج البنغال، وتضمُّ البلدان التالية: إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وبورما، وفيتنام، وكمبوديا، ولاوس، وتايلند، والصين, وتركستان الشرقية، وبروناي، وهذه المنطقة قد تأثَّرت بالطابع الهندي والصيني؛ لكثرة الهجرات إليها من هذين البلدين، وتأثَّرت بثقافَتَيْهما.

والحقيقة أن قصة انتشار الإسلام في جنوب شرق آسيا تُعَدُّ من أعظم قصص انتشار الإسلام في العالم؛ فالمسلمون لم يذهبوا إلى هذه المناطق الشاسعة المساحة العظيمة السكان بجيوش فاتحة، ولم يخوضوا مع أهلها حروبًا تُذكر، وإنما ذهبوا إليها كتُّجار يحملون أخلاقَ الإسلام، وهَمَّ الدعوة إلى الله، وذلك بالحسنى والمعاملة الحسنة، فحقَّقوا القاعدة الأصيلة التي تؤكد أن الإسلام إنما يغزو القلوب لا الأراضي أو البُلدان.
فقد حمل التجار المسلمون بضائعهم، ورحلوا من المشرق الإسلامي إلى تلك البلاد النائية عن طريق البحر، وكان لعرب جنوب الجزيرة العربية اليمنيِّين والعُمَانيِّين النصيب الأوفى في ذلك، فأخذوا يبيعون ويبتاعون، ووجد أهل تلك البلاد النائية فيهم الصدق، وعرَفوا فيهم العفَّة والأمانة، ثم علموا أن هذا كله من أثر العقيدة التي يحملونها؛ فحُبِّب الإسلام إلى نفوسهم؛ الأمر الذي لم يظلوا عليه طويلاً حتى باتوا يَدِينُون بالإسلام، وأصبحوا من أبنائه المخلصين.
وبين يَدَيْ هذه الصفحات نرى قصة وصول الإسلام إلى دول هذه المنطقة، مع التطرُّق إلى أهمِّ أحداثها التاريخية التي مرَّت بها، وأوضاعها الراهنة؛ فإن سكان هذه البُلدان وإنْ نَأَتْ بهم عَنَّا الديارُ إلا أن رابطة الدِين وميثاق الأخوَّة يجعلهم أقرب إلينا من قِيدِ أُنْمُلَةٍ.

قصة الإسلام في إندونيسيا
ونبدأ قصتنا بالدول ذات الأكثرية الإسلامية في هذه المنطقة, ومنها إندونيسيا، كبرى البُلدان الإسلامية، تلك التي أطلق عليها المسعودي اسم "جزر المهراج"، أما باقي الكُتَّاب فكانوا يسمُّونها بأسماء جزرها: سومطرة، جاوة، وهكذا. وقيل: إن اسمها يتكون من مقطعين؛ وهما: "إندو" ومعناها: الهند، و"نيسيا" ومعناها الجزر. وهذا ما كانت تُشير إليه كتابات الكُتَّاب والجغرافيين دائمًا بتسميتها بجزر الهند الشرقية، كما أنها تُسمَّى أحيانًا باسم الأرض الخضراء، ومنذ القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي أصبحت تُعْرَف باسم إندونيسيا.
وتُعَدُّ إندونيسيا جزءًا من أرخبيل الملايو في جنوب شرق آسيا، كما أنها الدولة التي تضمُّ أكبر مجموعة جزر في العالم؛ إذ يبلغ عددها حوالي 17508 جزيرة، المسكون منها حوالي 600 جزيرة، ومنها جزيرة جاوة التي تُعَدُّ من أكثر مناطق العالم ازدحامًا بالسكان، وقد تناقصت نسبة المسلمين فيها من 97% إلى 85%.
ومن العسير تحديد تاريخ بَدْءِ دخول الإسلام إندونيسيا، وفي ذلك تقول المراجع: إن تجار المسلمين أنشئوا لأنفسهم مراكز تِجاريَّة على سواحل سومطرة وشبه جزيرة الملايو من وقت مبكِّر، ربما من أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث الهجريَّين، الثامن والتاسع الميلاديَّين، وقد أتى أوائل التجار من جزيرة العرب من: عُمَان، وحضرموت، والساحل الجنوبي لليمن، واتخذوا مراكزهم الأُولَى على الشاطئ الغربي لسومطرة، وكانوا يسمونها سمدرة، وكانوا أهلَ سُنَّةٍ على المَذْهَب الشَّافِعِيِّ، أمَّا الهنود فقد دخلوا الجُزُر بالمَذْهَب الحَنَفِيِّ، وبعد ذلك وَصَل إلى هذه الجزر تُجَّار المسلمين من الهنود ومن شبه جزيرة الكَجَرَات.
كما تروي بعض كتب التاريخ أن بعض التجار الإندونيسيِّين قد وصلوا إلى بغداد أيَّام الخليفة العباسي هارون الرشيد، وعندما قَفَلوا راجعين كانوا يحملون بين جوانحهم عقيدة الإسلام، وعندما وَصَلُوا إلى بلادهم قاموا بدعوة واسعة النطاق لها.
وفي أوائل القرن التاسع الهجري الخامس عشر الميلادي بدأ الدِّينُ الإسلامي ينتشر بسرعة في أطراف الدولة، وأخذت السلاطين والقبائل المسلمة تُقَاوِم السلطة البوذيَّة في "جاوة"، وكان من أهمِّ تلك السلاطين المسلمة سلاطين "آشِنْ" في أقصى الشمال من جزيرة "سومطرة"، وسلاطين "مَلاكَا" في غربي شبه جزيرة "ملايا"، الذين أسَّسُوا تجارة مستقلَّة عن الدولة مع التُّجَّار المسلمين العرب والفرس والصينيين والهنود، وقد أسلم هؤلاء نتيجة احتكاكهم مع المسلمين العرب والفرس.
جاوه مركز إشعاع إسلامي
وقد كان لانتشار الإسلام أثره العميق في قيام ممالك إندونيسية متعددة في تلك الجزر، مثل مملكة "بنتام" التي أسَّسها الملك حسن الدين في جاوة الغربية، ومملكة "متارام" التي أقامها رجل عسكري يُدعى "سنافاني" في شرق جاوة؛ وبذلك أصبحت جزيرة جاوة مركز إشعاع للدِّينِ الإسلامي، وانتقل منها إلى غيرها من الجزر، وكان هناك أيضًا مملكة "آتشيه" في شمال سومطرة، ومملكة "ديماك" في وَسَط جاوة، والتي أقامها رمضان فاطمي عام 832هـ، وكذلك مملكة "بالمبانغ" في جنوب سومطرة.
وهكذا نرى أن الإسلام في مسيرته في جزر إندونيسيا قد قفز من مجموعة من الجُزُر إلى أخرى بسلام وبدون أي حرب، وفي هذا الجزء من العالم تقوم الآن جمهورية إندونيسيا، وهي أكبر بلد إسلامي على الأرض.

الاحتلال البرتغالي لإندونيسيا
الحقيقة أن جزر إندونيسيا تتمتَّع بموقع ممتاز وأهمية خاصَّة، وبموارد أَوَّلِيَّة ضخمة، وهو ما أطمع فيها الاستعمار بكل أصنافه؛ البرتغالي، والهولندي، والإنجليزي، والإسباني، والأمريكي؛ ففي الوقت الذي بدأ المسلمون يُثَبِّتُون أقدامهم في إندونيسيا كانت مخالب الأوروبيِّين من جهة ثانية تَنْشَب فيها لتَجِدَ لها مركزًا ثابتًا مستَقِرًّا في هذه المنطقة؛ وذلك لحقدهم الصليبي الذي حمل المظهر الاقتصادي بحاجتهم إلى التوابل المرتفعة الثمن في أوروبا.
وقد كانت البرتغال أُولَى الدول التي احتلَّت إندونيسيا، وقد نَشِبَتْ معاركُ شديدة بين الإندونيسيِّين من ناحية والبرتغاليِّين من ناحية أخرى، واتَّخذت تلك الحرب شكل الحروب الصليبية، وذلك نظرًا لقرب عهد البرتغاليين بمحاربة المسلمين والقضاء عليهم في الأندلس، ولقد كان من أهمِّ الدوافع التي حثَّت البرتغاليين على القيام بالحركة الكَشْفِيَّة – على رأيهم - هو ضَرْبُ اقتصاديَّات المسلمين، والسيطرة على تجارتهم، ومحاولةُ نَشْرِ النصرانية بالتعاون مع الأحباش، ولحقدهم على الإسلام استخدموا كافَّة وسائل الإرهاب والقمع الوحشي ضدَّ المسلمين، وقد توالت حملات البرتغاليِّين على هذه البلاد، ونجحوا في اتخاذ أتباعٍ ومؤيِّدين لسياستهم الاستعمارية في تلك البلاد، وكثُر وجود تجار أوروبا في إندونيسيا منذ ذلك الوقت.
وقد قاوم المسلمون في إندونيسيا الاحتلال البرتغالي، وقاموا بثورات متعدِّدة ضدَّ النصرانية، وخاصَّة بعد أن قُتِل أحد ملوك إندونيسيا غدرًا عام (978هـ= 1570م)، وهو هارون سلطان "ترنات"، والذي كانت سلطته تمتدُّ حتى الفلبين.
الاحتلال الهولندي لإندونيسيا
وظلَّ البرتغاليُّون يحتكرون نقل تجارة التوابل إلى أوروبا حتى عام (988هـ= 1580م)؛ حيث استولت إسبانيا على البرتغال، وآلت إليها الأخيرة بكلِّ ما لها من ممتلكات، ونظرًا لتحطُّم أسطول إسبانيا في معركة الأرمادا البحرية مع إنجلترا عام (997هـ= 1588م) لم تستطع أن تحُلَّ محلَّ البرتغاليِّين في إندونيسيا بالتقدُّم لاحتلال إندونيسيا.
وبعد أن حصلت هولندا على استقلالها لم تَعُدْ تخشى أسطول إسبانيا، وأصبحت تنتقل في تلك البحار دون خوف من مُنَازعٍ قويٍّ، وخرج أوَّل أسطول هولنديٌّ إلى الهند سنة 1590م، وبلغ الجزائر الإندونيسيَّة ثم عاد إلى هولندا، وكان هذا سببًا في تأسيس شركة الهند الشرقيَّة الهولنديَّة 1602م، التي أعلنت في بادئ الأمر أن غرضها ليس إلا التجارة، ولكنها ما لبثت أن أخذت تحتكر الغلاَّت والمنتجات الزراعية، وتمتلك الأراضي مقابل دخل تدفعه الشركة للسلاطين.
وقد أخذ الهولنديون يبسطون سلطانهم، وأَخَذَ نفوذهم يتغلغل في أنحاء البلاد، ولما اشتدَّ ساعدهم لَجَئُوا إلى فرض سلطانهم بالقوَّة؛ فقاوم السكان المسلمون ذلك الوضع، وتدخَّلت الحكومة الهولندية لمواجهة هذه الثورة العارمة.
ولم يكن البرتغاليون والهولنديون وحدهم هم الذين حاولوا استعمار إندونيسيا، بل انضمَّت بريطانيا إليهم؛ فأقامت قلعة لها في (بان كولن) على الشاطئ الغربي لسومطرة في سنة 1714م وظلَّت هناك حتى سنة 1825م.
فسقطت إندونيسيا بذلك تحت حكم الشركة البريطانية للهند الشرقية في الفترة (1811- 1816م) أثناء حرب نابليون التي تَمَكَّن فيها من احتلال هولندا، ولكن بريطانيا وهولندا عقدتا معاهدة في لندن في 13 أغسطس سنة 1814م قَضَتْ بإعادة المستعمرات إلى هولندا عام 1803م، وبذلك استردَّت هولندا الجزر الإندونيسية من بريطانيا.

الاحتلال الياباني لإندونيسيا
وظلَّت هولندا وحدها في إندونيسيا منذ مطلع القرن السادس عشر؛ تستنزف خيراتها وتستولي على مُقَدَّرَاتها، وتقف حجر عَثْرَة في سبيل تقدُّمها ورُقِيِّها، حتى احْتَلَّت القوات اليابانية إندونيسيا في مارس 1942م بعد استسلام الجيش الهولندي أمام اليابان.
ولم يمضِ شهر على الاحتلال الياباني حتى صدر مرسوم بِحَلِّ الأحزاب السياسية جميعها، بل والمنظمات الأخرى، ومنعها من الاستمرار في نشاطها، وقد قام الإندونيسيون بحركات داخل بلادهم ضدَّ هذا الاحتلال، وبعد إلقاء القنبلة الذرية (1364هـ= 1645م) استسلمت اليابان، وبعد يومين فقط أُعْلِنَ عن قيام حكومة إندونيسية برئاسة أحمد سوكانو ونائبه محمد حتا.

إندونيسيا بين الفقر والتنصير
أما واقع إندونيسيا اليوم فإنها تعاني مشكلات متعددة، تتمثَّل في ضعف الإنتاج مقارنة بالإمكانات الطبيعية والمساحات الهائلة والأعداد الكبيرة من السكان، وكذلك ارتفاع نسبة الأمية والبطالة، حتى إن إندونيسيا، نتيجة البطالة العالية وازدياد الفقر وانخفاض مستوى المعيشة، صارت في العقود الأخيرة من أكبر المصدِّرين للعمالة البشرية الرخيصة إلى الدول الأخرى، حتى في أبسط الأعمال والمهن.
وقد أغرى هذا الوضع المُزْرِي الحركات التنصيرية في العالم، فنشطت منذ منتصف القرن العشرين للعمل الحثيث من أجل تنصير إندونيسيا، حيث تمتلك الحركات التنصيرية إمكانيات تفوق ميزانيات كثير من الدول، وقنوات تلفزيونية، وعشرات الصحف والمجلات، وقد بدأت هذه الجهود تؤتي أكلها؛ حيث انخفضت نسبة المسلمين من 97% إلى 85%، فوقعت كثير من المناطق في قبضة التنصيريين، مثل نوسا تنجار الشرقية، التي أصبحت نسبة المسلمين فيها 9.12 %، وهي تتكون من 111 جزيرة أكبرها تيمور، وأغلب السكان فيها صاروا نصارى.

إمارة بروناي الإسلامية
أما بروناي، فهي دولة صغيرة لا تَزِيد مساحتها على 5770كم2، وتقع في شمالي جزيرة "بورنيو"، وتحتلُّ شريطها من الساحل الشمالي على شكل قوسين تتداخل بينهما أراضي "ساراواك" من اتحاد ماليزيا، وتبلغ نسبة المسلمين 76%.
وفي بروناي تأسَّست إمارة إسلامية مبكِّرة؛ فقد سافر حاكمها "أونج ألاك بتاتا" في عام 828هـ إلى مالاقا لزيارة السلطان محمد شاه، وهناك اعتنق الإسلام، كما جاء من البلاد العربية دعاة للإسلام أقبل الناس عليهم، وشجَّعهم أميرهم على ذلك، وهكذا قامت إمارة إسلامية في بروناي، واتَّسع نفوذها فشملت جزر صولو والفلبين.
وعندما مكَّنت إنجلترا نفوذها في المنطقة اتَّجهت نحو بروناي، واستطاعت تقليص نفوذها، ففي عام (1264هـ= 1848م) عقد سلطان بروناي اتفاقية مع إنجلترا لمقاومة القرصنة وتطوير العَلاقات التِّجاريَّة، إلاَّ أن إنجلترا فرضت الحماية عليها عام (1306هـ= 1888م)، واستمرَّت حتى اجتاحت اليابان المنطقة كلها أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم انسحبت منها قبل مرور أربع سنوات.

وقد عُرِضَ على بروناي في عام (1383هـ= 1963م) أن تشترك في اتحاد الولايات الماليزية فرفضت وبقيت دولة منفصلة يحكمها "عمر علي" سيفُ الإسلام، وترى ماليزيا ضرورة وجود بروناي ضمن الاتحاد حتى تشمل أراضي الاتحاد ماليزيا شمالي جزيرة بورنيو كلها، ويستفيد الاتحاد من البترول والغاز الطبيعي في بروناي، كما أن انضمام بروناي إلى الاتحاد الماليزي يُجَنِّبُها خطر الابتلاع من دول أخرى أكبر، من المنطقة أو خارجها.
وفي سنة 1983م اتفق سلطان بروناي "حسن بلقيا معز الدين" مع البريطانيين على الانسحاب من بروناي على أن تبقى الإدارة المدنية البريطانية، ولا يزال سلطان بروناي يرفض الانضمام إلى اتحاد ماليزيا؛ نظرًا لمواردها البترولية الغنية.


ماليزيا.. قصة كفاح

أما ماليزيا التي تُعَدُّ من الدول الإسلامية الكبرى في جنوب شرق آسيا من حيث الأغلبية المسلمة, حيث تصل نسبة المسلمين فيها إلى 60% من عدد السكان، فتقع في المحيط الهندي، ويَحُدُّها من الشمال تايلند، ومن الجنوب إندونيسيا.
وقد وصل الإسلام إلى ماليزيا في القرن السابع الهجري، وإن كنا لا نستطيع أن نُحَدِّد بالضبط السنة التي انتشر فيها؛ وقد كانت روابط شبه الجزيرة الملايو (ماليزيا) متينة مع جزيرة سومطرة المواجهة من ناحية الغرب، والتي وصل إليها الإسلام كذلك؛ لأن أطرافها الشمالية أقرب إلى الغرب، حيث كانت تمخر السفن الإسلامية، وتتحكَّم تلك السفن في طرق المحيط الهندي البحرية، وفي موانئه وقواعده ومراكزه وبحاره، وينتقل المسلمون التجار والدعاة على السواحل يحملون مع بضائعهم العقيدة الإسلامية، التي تتلاءم والفطرة البشرية، وتعطي معاملتهم وسلوكهم وأخلاقهم صفةً تختلف عمَّا يتَّصِف به بقية التجار؛ بل كان كلُّ تصرف ينبع من تلك العقيدة، وكثيرًا ما كان الدعاة يتَّخذون التجارة وسيلة ليتَّصلوا مع السكان، وليدعوهم إلى الإسلام.
وفي سنة 676هـ أسلم ملك جزيرة (مالاقا) على يَدِ تجار مسلمين قادمين من جدة، وأطلق على نفسه اسم "محمد شاه"، وتبعه شعبه في اعتناق الإسلام، وبذا قامت أوَّل دولة إسلامية تعمل على نشر الإسلام فيمن جاورها من الجُزُر، وفي غضون نصف قرن أصبحت (مالاقا) مركزًا يَشُعُّ الإسلام على المناطق المجاورة، فأسلمت جزيرة (باهانغ) وجنوبي الملايو.
الاستعمار البرتغالي لمالاقا
ثم بدأ الاستعمار يحدو صوب ماليزيا حيث وصل البرتغاليون إلى مالاقا عام (915هـ= 1509م) منطلقين من قاعدتهم "غوا" على سواحل الهند الغربية، وقاموا بهجوم على مالاقا، لكنه باء بالفشل، وبعد عامين أعادوا الكَرَّة، وقاموا بهجومهم الثاني، ولكن قبل الهجوم ألقى قائدهم البوركرك خطابًا جاء فيه: "الأمر الأوَّل هو الخدمة الكبرى التي سنُقدِّمها للربِّ عندما نَطْرُد المسلمين من هذه البلاد، ونَارَ هذه الطائفة المحمدية، حتى لا تعود للظهور بعد ذلك أبدًا... وإذا استطعنا الوصول إليها فسيترك المسلمون الهند كلها، إن غالبية المسلمين وربما كلهم يعيشون على تجارة هذه البلاد، ولقد اغتنوا، وأصبحوا أصحاب ثروات ضخمة، و"مالاقا" هي مركزهم الرئيسي، فمنها ينقلون كل عام التوابل والأدوية إلى بلادهم دون أن نستطيع منعهم، فإذا تمكَّنَّا من حرمانهم من هذه السوق القديمة لا يبقى لهم ميناء واحد أو محطة واحدة مناسبة في كل هذه المنطقة ليستمرُّوا في تجارتهم، وأُؤَكِّد لكم أنه إذا استطعنا تخليص مالاقا من أيديهم فستنهار القاهرة، وبعدها مكة نهائيًّا". وبعد أن سقطت المدينة بأيديهم دقَّتْ أجراس الكنائس في روما ابتهاجًا، وعمل البرتغاليون على محاربة المسلمين والكيد لهم بكل وسيلة ملكوها، فقتلوا وفتكوا بأعداد الأهالي.
الاستعمار الهولندي لمالاقا
وفي سنة (1051هـ= 1641م) حلَّ الهولنديون محل البرتغاليين، وتابعوا سياستهم في قتل المسلمين وملاحقتهم، وقد اتَّبع الهولنديون نظام الإقراض الرِّبَوِيِّ، فتهيَّأ لهم لذلك انتزاع الأملاك من أيدي مُلاَّكِها في مالاقا وغيرها، ولما قاوم السكان ذلك أُخْمِدَت مقاومتهم بالقوَّة، وبذلك تحطَّم نظام مالاقا الاقتصادي، وذاق أهلها الفَاقَةَ والذِّلَّة، وبدأ أهل الملايو في صراعهم مع هولندا فهاجموا المراكز والمنشآت الهولندية، ولكن هذه المقاومة كانت أقلَّ من قوَّة المستَعْمِر الذي يستعمل أحدث الأسلحة، وعَيَّن الهولنديون حاكمًا على مالاقا تابعًا للحاكم العامِّ في جاكرتا بإندونيسيا.
ونتيجة التنافس بين الصليبيِّين والاتفاقات التي حدثت بينهم لتوزيع مناطق النفوذ أصبحت المنطقة ضمن نفوذ بريطانيا منذ عام (1201هـ= 1786م)، واستأجرت شركة الهند الشرقية البريطانية جزيرة (بينانغ) من سلطان (قدح)، ومع دخول الإنجليز اتَّجهت أعداد من الصينيين والهنود نحو ماليزيا للعمل، وفتحت بريطانيا لهم الطريق، وسهَّلت لهم القدوم للعمل على تقليل نسبة المسلمين.
الاستعمار الإنجليزي للملايو
وفي سنة 1824م عُقِدَت معاهدةُ تسويةٍ بين إنجلترا وهولندا، تسلَّمت إنجلترا بموجبها مستعمرات هولندا في الملايو، وسلَّمت إنجلترا إلى هولندا مستعمراتها في جاوة وجميع جزر إندونيسيا، وركَّزت بريطانيا نشاطها البحري والتجاري في سنغافورة، ثم استولت بريطانيا على الجزء الشمالي لجزيرة (بورنيو)، وقسمته إلى ثلاثة أقسام هي: سراواك، صباح، بدني، وهذه المناطق أصبحت مراكز تِجارية وعسكرية مُهِمَّة لبريطانيا، وتَكَوَّنَ منها فيما بَعْدُ الجزء الشرقي من ماليزيا.
وقامت ثورات في كثير من الأماكن في الملايو ضدَّ الإنجليز، وكانت هذه الثورات إنذارًا لبريطانيا، وانضمَّ بعض سلاطين الملايو إلى الشعب في هذه الثورات، ولم يَنْعَم الإنجليز بالاستقرار، وقد شهد مطلع القرن العشرين ثورة عارمة قام بها المجاهد المعروف بالشيخ الهادي، والذي كان قد تتلمذ بمصر على يد الشيخ محمد عبده، وعند عودته إلى الملايو أصدر مجلة سُمِّيَت مجلة الإمام تيمُّنًا بالإمام محمد عبده، وكان لها أثر كبير في ربط حركات الاستقلال بالملايو بالنهضة الإسلامية في الشرق العربي، وكانت هذه الحركات الجهاديَّة التي أتعبت المحتلِّين من الإنجليز ممهِّدة لزحف اليابان على الملايو في بداية الحرب العالمية الثانية.
"الإنجليز واليابانيون" وتخريب أرض الملايو
فقد كانت "بورمنيو"، وشبه جزيرة الملايو من بين ما احتلته اليابان في جنوب شرق آسيا، وذلك سنة (1360هـ= 1941م)، وقد وُضِعَت البلاد تحت الإدارة العسكرية اليابانية، وتمَّ تعيين رؤساء يابانيين لمختلَف دوائر الدولة، غير أن مهمَّتهم كانت الإشراف فقط، بينما كان الموظَّفون الملايويون يقومون بأعمال الإدارة المحلية الفعلية، مما أكسبهم المهارة والثقة بالنفس والتي كانوا قد فقدوها خلال الاحتلال البريطاني.
وكان الاستعمار الياباني أقسى وأعنف من الاستعمار الإنجليزي؛ فقد أساء اليابانيون معاملة الأهالي، رغم ما رفعوه من شعارات برَّاقة، وحاولوا فرض لُغتهم على الأماكن التي احتلُّوها، ووقع الشعب الماليزي تحت وَطْأَة التخريب المتبادَل بين القوات البريطانية والقوات اليابانية؛ لأن الإنجليز حاولوا تخريب البلاد قبل الاستسلام؛ فهدموا كثيرًا من الكباري، ودمَّروا المباني، وأتلفوا ما تركوه من أسلحة، ولم يكتفوا بذلك؛ وإنما أتلفوا مزارع المطَّاط والأرز، وأحرقوا كَمِّيَّات هائلة من البترول.
وبعد انتهاء الحرب العالمية وهزيمة اليابان مع دول المحور، اضطرَّت اليابان للانسحاب من المناطق التي دخلتها، ومن بينها دول الملايو، الأمر الذي أعاد إنجلترا إلى قواعدها السابقة، لتحل محلَّ اليابانيين الذين غادروا المنطقة.
وبعد عودة الإنجليز اقترحوا أن يقوم اتحاد بين المحميات البريطانية التسع في الملايو، ونشأت منطقة الملايو الوطنية المتَّحدة للإعداد لهذا المشروع، وفي عام (1367هـ= 1948م) تأسَّس اتحاد الملايو، وتمتَّعت كل ولاية بحكمها الذاتي، ولكن تحت إشراف حكومة مركزية، وظلَّ الحكَّام يتمتعون بسيادتهم في الإمارات المختلفة عدا (مالاقا، وبيانغ) اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا مستعْمَرَتين بريطانيتين.
الاستقلال والاتحاد
وفي عام (1375هـ= 1955م) وُضِعَ دستور جديد للملايو، حيث حُوِّلَتْ أكثر مسئوليات الحكومة الاتحادية إلى المجلس التمثيلي للشعب، وجَرَت انتخابات عامَّة فاز فيها التحالف برئاسة "تنكو عبد الرحمن"، حيث حصل على 51 مَقعَدًا من أصل 52.
وفي مؤتمر لندن عام (1376هـ= 1956م) تقرر استقلال اتحاد الملايو الذاتي في الشئون الداخلية، وبعد عام تمَّ الاستقلال الذاتي ضمن رابطة الشعوب البريطانية، وفي الوقت نفسه حصلت سنغافورة على الاستقلال الذاتي، وحصل قتال في سنغافورة عام (1380هـ= 19960م)؛ فأعلنت حالة الطوارئ، وبعدها بعامين جَرَت مفاوضات ليقوم اتحاد بين الملايو وسنغافورة وشمال بورنيو، وقد تمَّ فعلاً في 1963م، إلاَّ أنَّ بورنيو رغبت في البقاء وحدها، غير أن الاتحاد الذي أُطْلِقَ عليه اتحاد ماليزيا قد لقي معارضة شديدة وخاصَّة من إندونيسيا، كما لقي معارضة من الفلبين التي ترى من جهتها أن شمالي بورنيو كان دولة واحدة من جزر مولو التي هي جزء منها، ولكن اعترفت الدولتان بالأمر الواقع مع مرور الزمن، وفي عام (1385هـ= 1965م) خرجت سنغافورة من دولة الاتحاد، وأصبحت ماليزيا دولة مستقلَّة.
وهناك مجموعة من الدول في جنوب شرق آسيا بها أقليات إسلامية, يعاني فيها المسلمون من ظروف قاسية, وتضييق شديد على ممارساتهم الدينية والحياتية, وبلاد أخرى بها أكثرية إسلامية ولكنها تعاني من احتلال لأراضيها مثل ما يحدث لمسلمي فطاني, وتركستان الشرقية.
المسلمون في تايلند ومن هذه الدول "تايلند" التي تقع في جنوب شرق آسيا، ويحدُّها من الشرق لاوس وكمبوديا، ومن الجنوب خليج تايلند وماليزيا، ومن الغرب بحر أندمان وميانمار "بورما"، وكانت "تايلند" تُعرف في الماضي باسم "سيام" وتبلغ نسبة المسلمين في تايلند 25%.
وقد طرق الإسلام الأرض التايلندية منذ فترة مبكرة، مثلها مثل بقية دول شرق وجنوب شرق آسيا، فأثَّر تأثيرًا لا بأس به بين أهالي سيام "تايلند" من البوذيين، وأُطلق على الذين اعْتَنَقوا منهم الإسلام اسم "السمسم - Samsams"، وأقبلت بعض القبائل أيضًا التي تعيش في هذه المنطقة على اعتناق الإسلام، ويُذْكر أيضًا أن التجار العرب والفرس المسلمين هم الذين أدخلوا الإسلام إلى تلك المناطق منذ القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي، ولكن يُعزى أهمُّ توسُّع لهذا الدين إلى هجرات أهل الملايو (ماليزيا الآن) التي بدأت في القرن الثامن الهجري – الرابع عشر الميلادي.
وتُعتبر تايلند في حكم الدولة المحتلة المستعمرة لأرض فطاني التي كانت بلدًا مسلمًا لفترة طويلة؛ لذلك فإن أساليب تايلند في محاربة المسلمين لا تختلف كثيرًا عن أساليب الاستعمار الصليبي في أفريقيا وآسيا والدول المسلمة.


فطاني


(فطاني) هي بلد إسلامي يقع في جنوب شرقي آسيا، يجاور في الجنوب ماليزيا، وفي الشمال تايلند، ويطلُّ في الشرق على بحر الصين الجنوبي، وفي الغرب على المحيط الهندي، ومساحته صغيرة، ولكنه غني بالمحصولات الزراعية والمعادن، وتبلغ نسبة المسلمين 80%.
وقد دخل الإسلام إلى فطاني عن طريق التجارة في فترة النشاط التجاري الإسلامي، مثله مثل غيره من مناطق جنوب شرق آسيا.
وبدأ الإسلام يتوسَّع في منطقة "فطاني" منذ النصف الثاني من القرن الثامن الهجري عن طريق مالاقا، التي أخضع سلطانها "فطاني" إلى حكمه عام 865هـ.
ولما وصل البرتغاليون إلى المنطقة واحتلوا مالاقا عام (917هـ= 1511م) احتلوا أيضًا المناطق الشمالية منها، وكانت فطاني من بينها، ثم جاء الهولنديون وكانت لهم علاقات تِجاريَّة مع فطاني منذ عام (1018هـ= 1609م)، ثم مع الإنكليز عام (1021هـ= 1615م)، وقد أقاموا مراكز تِجاريَّة لهم.
ثم استطاع التايلنديون الاستيلاء على فطاني عام (1201هـ 1786م) بعد محاولات كثيرة استمرَّت أكثر من قرنين؛ إذ قاموا بهجومهم عليها عام 1012هـ، و 1042هـ، و 1043هـ ولكنهم باءوا بالخسران في كل محاولة، ونقلوا منها 4000 أسير إلى منطقة بانكوك، كما قسموا المنطقة إلى سبع ولايات لإضعاف المقاومة، إلا أن الفطانيين قاموا بثورة بعد عام من الاحتلال التايلندي، وقادهم (تنكولميدين)، غير أن هذه الثورة قد فشلت، وقُتل قائدهم، وقامت ثورة أخرى عام (1223هـ= 1808م)، لقيت الفشل أيضًا، وهذا ما جعل التايلنديين يعملون على تقسيم المنطقة إلى ولايات صغيرة، ويُشرِّدون الزعماء، ويضعون بجانب كلِّ أمير فطاني أحدَ التايلنديين إضافة إلى فرض ضريبة.
وفي عام (1247هـ= 1841م) قام ولي عهد ملك (قدح) بثورة، فاشترك معه الفطانيون، ولكن فشلت هذه الثورة ودخل التايلنديون الأرض الفطانية فنهبوها، وعاثوا فيها الفساد، ونقلوا أربعين ألفًا حملوهم إلى منطقة بانكوك.
وفي عام (1320هـ= 1902م) ربط التايلنديون الفطانيين ببانكوك، وجعلوا عليهم حاكمًا تايلنديًّا، فقام عبد القادر قمر الدين بثورة، ولكنه هُزم وأُسر، وحُمل إلى بانكوك، وطُلِب منه توقيع وثيقة يتنازل فيها عن حقِّه في الإمارة، ولكنه رفض ذلك، وأصرَّ على موقفه، وفي عام (1321هـ= 1903م) عمَّت البلاد الفوضى، ونُفِيَ الأمير عبد القادر، وتولَّى الإمارة مكانة ابنه محيي الدين، وأُرسل إلى لندن للدراسة.
وفي عام (1327هـ= 1909م) اتَّفقت إنجلترا وتايلند، فأخذت إنجلترا بعض الولايات الملاوية، وأخذت تايلند المقاطعات الفطانية.
وفي عام (1351هـ= 1932م) حصل انقلاب في تايلند دعمه الفطانيون فكُتِبَ له النجاح، وتغيَّر نظام الحكم من ملكي مطلق إلى ملكي دستوري، واختار الفطانيون محمود محيي الدين أصغر أبناء السلطان عبد القادر قمر الدين، الذي يعيش في المنفى؛ ليكون حاكمًا لهم.
وقد جرَّ مجيء العسكريين إلى حكم تايلند وبالاً كبيرًا على الشعب الفطاني؛ لأنهم حملوا فكرة القومية السياميَّة، والتي حاربها الفطانيون؛ لأنهم يَدِينون بالإسلام، ويتكلَّمون لغة ملايوية تُكتب بالحرف العربي.
وكان هدف تايلند منذ عام (1351هـ= 1932م) تحويل الملايونيين في فطاني إلى تايلنديين بإجبارهم على الزيِّ التايلندي، واستعمال اللغة التايلندية، وقَبُول الثقافة التايلندية، واتِّخاذ أسماء تايلندية، وترك العقيدة الإسلامية.
وزاد الضغط على الفطانيين منذ عام (1357هـ= 1938م) إذ حُرِم المسلمون خاصة من وظائف الدولة، وأُجْبر الطلاب، ومَن يعمل بالمؤسسات الثقافية أن يتسمَّى بأسماء تايلندية، وأُغلقت المدارس الدينية والمساجد، كما أُجبر المسلمون على دخول المعابد البوذية.
وقد قامت الحرب العالمية الثانية ودخل اليابانيون البلاد، وعمل الإنجليز على تنظيم المقاومة، وقد اعتمدوا على السلطان محمود محيي الدين، ووعدوه بالحصول على الاستقلال بعد انتصار الحلفاء، وعندما انتهت الحرب أخلفوا الوعد، حتى وُضِعَ اقتصاد البلاد تحت تصرف إنجلترا.
وفي عام (1367هـ= 1948م) قام الحاج محمد سولونغ رئيس الهيئة التنفيذية لأحكام الشريعة الإسلامية بتقديم مطالب الشعب الفطاني، وتقدَّمت المطالب إلى الأمم المتحدة فكانت النتيجة أن قُبِضَ على محمد سولونغ ورفاقه، وأُودِعوا السجن، وحُكِم عليهم بالسجن ثلاث سنوات، ثمَّ أُفْرِج عنهم، ثم اعتُقِلوا ثانية، وقُتِلوا سرًّا عام (1374هـ= 1954م).
ووقع انقلاب عسكري في تايلندا عام (1366هـ= 1947م)، وفي عام (1357هـ= 1955م) وقع انقلاب آخر، وكان كلُّ انقلاب يعمل على إذابة الشخصية الفطانية، ووقفت الدول الكبرى بجانب تايلند، وظنَّ المستعمرون أن أمر فطاني قد انتهى.
وفي عام (1378هـ= 1958م) تشكَّلت عدَّة منظَّمات وأحزاب لمواصلة الكفاح، ولكن تعدُّد القيادات كان له الأثر السيئ، ثم توحَّدت المنظمات وتغيَّرت فكرة المقاومة السلمية إلى فكرة الجهاد؛ لإعادة الحقوق المسلوبة.

قصة الإسلام في الصين

أما الصين؛ فتقع في الجزء الشرقي من قارة آسيا، وعلى الساحل الغربي من المحيط الأطلنطي، وتشترك الصين في حدودها مع عدة دول هي: أفغانستان، بوتان، ميانمار (بورما)، مازخستان، فرعيزستان، لاوس، منغوليا، النبيال، وكوريا الشمالية، وباكستان، وروسيا، وطاجاكستان، وفيتنام.
وتذكر التواريخ الصينية أن أول دخول الإسلام في الصين كان في أيام أسرة "تانج"، التي عاصرت البعثة النبوية، وعصر الراشدين، وعصر الخلافة الأُموية، وكان القادمون إلى الصين من المسلمين تجارًا دخلوا بلاد الصين من الجنوب أيام الخلافة الأموية، واستقرُّوا في "كانتون"، حيث أنشئوا لأنفسهم جالية زاهرة، واتخذوا المساجد، وأطلق عليهم الصين لقب "هوي هوي".