أهوال يوم القيامة:
{فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ(33)يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34)وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37)وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ(38)ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ(39)وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40)تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41)أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)}.
ثم ذكر تعالى بعد ذلك أهوال القيامة فقال {فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ} أي فإِذا جاءت صيحة القيامة التي تصخ الآذان حتى تكاد تصمها {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ* وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} أي في ذلك اليوم الرهيب يهرب الإِنسان من أحبابه، من أخيه، وأمه، وأبيه، وزوجته، وأولاده لاشتغاله بنفسه قال ابن جزي: ذكر تعالى فرار الإِنسان من أحبابه، ورتبهم على مراتبهم في الحنو والشفقة، فبدأ بالأقل وختم بالأكثر، لأن الإِنسان أشدُّ شفقةً على بنيه من كل من تقدم ذكره {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} أي لكل إِنسان منهم في ذلك اليوم العصيب، شأنٌ يشغله عن شأن غيره، فإِنه لا يفكر في سوى نفسه، حتى إِن الأنبياء صلوات الله عليهم ليقول الواحد منهم يومئذٍ "نفسي نفسي" .. ولما بيَّن تعالى حال القيامة وأهوالها، بيَّن بعدها حال الناس وانقسامهم في ذلك اليوم إِلى سعداء وأشقياء، فقال في وصف السعداء: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ} أي وجوه في ذلك اليوم مضيئة مشرقة من البهجة والسرور {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} أي فرحة مسرورة بما رأته من كرامة الله ورضوانه، مستبشرة بذلك النعيم الدائم {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ} أي ووجوه في ذلك اليوم عليها غبارٌ ودخان {تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ} أي تغشاها وتعلوها ظلمةٌ وسواد {أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} أي أولئك الموصوفون بسواد الوجوه، هم الجامعون بين الكفر والفجور، قال الصاوي: جمع الله تعالى إلى سواد وجوههم الغَبرة كما جمعوا الكفر إِلى الفجور.